الاثنين، 26 أغسطس 2013

القمر



تعرفون هذه الفترة من العمر التى نمتلك فيها كل رغبات الكبار و لما نفقد بعد أحلام الطفولة و أحاسيسها المفعمة بالحياة.. هذه الفترة التى تشتعل فيها دواخلنا بالحب فيصبح كل شيء عذبا جميلا، حتى البكاء.
أحببتها.. بريئة كصفحة بيضاء لم يمسها قلم.. وكانت ضحكتها البرية التى لم تقيد بعد بلجام المجتمع، تملكنى بالكامل، و رغما عنى يفلت قلبى دقتين كلما سمعتها.. كأنه ينذهل فينسى، أو ينحبس عنى خلف جفنيها المغلقين جذلا.
كانت تجلس أمامى فى الحافلة بهذه الطريقة التى لا أظن أحدا غيرها يتقنها، تستند بظهرها إلى ظهر المقعد الذى من المفترض أن يكون أمامها فأصبح الآن خلفها، و ترتكز بركبتيها على كرسيها، و تنظر إلىَّ بوجهها المستدير كالقمر من فوق ظهر كرسيها. عائدين من يوم حافل.. قالت:
 - ساكت ليه؟
- أبدا.. مبسوط
- و هو اللى يبقى مبسوط بيسكت؟
- أحيانا
إبتسمت فى غموض طفولى وقالت: - طيب
لم أدر كيف أخبرها أننى أفقد النطق كلما نظرت فى عينيها.. لم أدر كيف أخبرها أن الكلمات تتحول إلى حروف مبعثرة يفشل عقلى فى جمعها.. هناك مكان ما بداخل هاتين العينين.. متاهة تجذبنى فلا أقوى على الهرب... أو ربما لا أرغب فيه.
قسرا أعادنى صوت زميلى فى المقعد المجاور إلى الوعى: 
- ياه.. بص القمر بدر النهاردة.
نظرت إلى وجهها الأبدر يطل علىَّ ماحقا كل ما سواه فى الكون و قلت:
- قمر؟ القمر هنا يا صديقى.
أخذتها الدهشة و الخجل، فتحول وجهها من الأبيض إلى الأحمر دفعة واحدة، و قالت بصوت خافت متهدج:
- إيه اللى قلته ده
قلت مبتسما: - ماقلتش غير الحقيقة
- بس كده مينفعش
- من هنا ورايح كله كده.. 
نظرت لى نظرة ملؤها العتاب و الجذل، ووجدتنى ثانية فى هذه الأرض التى يلتمع فيها وجهها بدرا، و لا أعرف لها مدخلا إلا عينيها.. ولا أعرف لها مخرجا...



هناك 3 تعليقات:

  1. الحكي عندك جميل لا تفتقد فيه السهولة, باستثناءات قليلة مرجعها عدم التعود على تكنيك كتابة القصة باستمرار.

    ونفس الفكرة بردو ف القصر اللي محتاج توصيلة :)

    ردحذف
  2. شكرا يا صديقى
    المشكلة الابدية عندى فى الكتابة انها مرتبطة بالحالة. عشان كده الانتاج قليل

    ردحذف
  3. عاوز رايك فى القصائد كمان

    ردحذف